تقليب في رواية “بوذا في العالم السفلي” للكاتبة اليابانية “جولي أوتوسكا”
الكاتبة الصحفية: أمان السيد – سوريا – خاص بـ ” وكالة أخبار المرأة “
رواية تؤرخ لمعاناة نسوية بامتياز. بوذا الإله المعبود الذي يبارك أتباعه، ما مدى ارتباطه بالعالم السفلي، والسافل، حيث النسوة المقهورات المعدمات اللاتي تداولن حلما وحيدا هو مغادرة حقول الأرز، ودحر حياة ليس فيها تباشير لمستقبل منشود، يرفضن فيه أن يلكن دور الأم الساخطة، والأم التي تهرق عمرها في الحقول، أو دور الفتاة العانس التي ينتهي بها عمرها جامدا، منكسرا بما فيه من الرتابة، ليأتي الفرار القرارالأمثل، مستقلا ظهر سفينة كبيرة إلى المجهول، حيث بانتظار النسوة من يتجهز للزواج منهن، بعد أن تم التواصل من خلال خاطبة يكتشفن أنها قد حملت إليهن صورا ليست لأصحابها، وتبقى مع ذلك العودة إلى الوراء أكثر من مستحيلة.
السفينة بطابقها الأسفل الذي يشطرها إلى عالمين، كما تصنيفات الحياة، تضم النسوة الراحلات قلقات خائفات، حالمات بأمريكا المارد واهب السعادة، وعلى السفينة تهدهد الآمال مع الحشرات، والجرب، والبراغيث والنوم على ألواح وحشايا أصابها البحر بعفنه، تمثال لبوذا، ورداء الكومينو الحريري، وصورة للعريس المرتقب، كل ما حملنه معهن زادا، ومتاعا في رحلة مريعة.
ليس هناك أبطال وبطلات في هذه الرواية، رغم أنها عالم يثرى بالأسماء والشخصيات، يأتي فيها السرد متلاحقا طائرا على أجنحة فراشات رقيقة تسحب القارئ إلى المرأة اليابانية بعذوبتها، وقامتها الطفلة، وقدميها الناعمتين، يؤطرها ضمير الجماعة للمتكلم والذي التزمت به الكاتبة شعارا لروايتها، تلملم به مأساة، ومعاناة ترتع في عدالة ظلها شابات يابانيات اعتقدن أن باستطاعتهن أن يرمين كل صور الماضي المهزوم وراءهن.
ويتوالى العمل الروائي في سرده المعاناة، فمن فضّ صادم صاعق بأساليبه لبكارة الفتيات من قبل رجال لا يمتون بصلة إلى فرسان الأحلام تهبط معه السعادة إلى القيعان، إلى الرضوح القسري، لأن الرفض يبقى قائما تجاه حقول الأرز والفقر، والحياة المنبوذة، لتهبّ الحرب آتية على ما بني خلال سنوات التأقلم الطويلة، وقد امتدت الأسر، وتعرشت بالأبناء وإقناع النفوس بأنّ ما في اليد أفضل من غائب لا يحضر!
تلاحق الكاتبة الروائية القارئ بسردها الإنساني العارم، والممتع، معنونة الفصول بعناوين تحمل فرديتها مفاتيح للتأويل، وتسوّق لأمل يتوارى في قيامته الجديدة.