الفكر الديني والعلمانية .. صناعة المستقبل
الشبكة العربية العالمية: لينا سعيد موللا
|
علينا أن نعترف أن الفكر الديني متجذر لدى شعوبنا. وجميع الحركات الجريئة والنهضوية في الدول العربية والاسلامية، لم تستطع مخاطبة الطبقات الشعبية قليلة الثقافة . هذه الطبقات كانت تفتقد لجوهر العيش الكريم، تعيش في حالة من الفقر وشح التعليم، وغياب الفرص، إلى عزلة ضمن قيم رتيبة متوارثة . لذلك بدت لها رياح التغيير .. بذخ لا تقوى على دفع فاتورته . و لأن تلك الحركات اقتصرت على مخاطبة النخبة، نذكر المعتزلة في العراق .. و أخوان الصفا في مصر، وسواهم.. فهي لم تنتشر ولم تستطع الحفاظ على وجودها . نعم حركات على تميزها المعرفي وجرأة طرحها، لم تستطع طرق باب الطبقات الشعبية وهم السواد الأعظم للشعب . لذلك عندما اندثرت، غاب تأثيرها تماماً، واقتصرت معرفتنا بها على ما قرأناه في أمهات الكتب. يقيني أن عملية التربية و ما يتضمنها من توجيه حر، خال من التابوهات، والاعتماد على التحليل العلمي والتجربة والمنطق، أمور هامة وجوهرية، لخلق مجتمع متفق مع أهدافه ومصالحه. وأظن أن الديكتاتورية في تركيا وتونس ساهمت بالقسر، في فرض إيقاع جديد على المجتمع، واستئصال الهيمنة الدينية الرجعية منه وهي عملية بنوية ساهمت في إيجاد دولتين علمانيتين، لكنهما بقيتا غير ديمقراطيتين . فالديمقراطية وإن كانت حاجة ملحة، لكنها ارتبطت على الدوام بحالة من نضج الوعي، وإدراك بأهمية الحرية في تقدم وانتاجية المجتمع . المؤسسة الدينية تحاول وعلى مر الزمان بقاء أدواتها قائمة، فدور المسجد معروف، وبالتالي التواصل مع أئمة المساجد والتأثير بهم، وهم أهم المنابر المعرفية المتواصلة من غالبية طبقات الشعب. وأذكر بأن المؤسسة الدينية تحاول مصادرة وزارة التربية في أي دولة إسلامية أو عربية، وتعتبر ذلك قضية مصيرية ومحورية، لديمومة هيمنتها، وبالتالي تسيدها الفكري . بالمقابل لا بد من تحرير المجتمع من قبضة الهيمنة لأي فكر، وأشدد لأي فكر. لا بد من فتح الأبواب والنوافذ لتبقى مشرعة للتيارات الفكرية الحداثية، والتفاعل معها حتى الانتقال إلى مرحلة الخلق والابداع فيها. هذا أمر عشناه في أواسط القرن الماضي، وكان تأثيره جيداً، ولو أن الأنظمة استطاعت بناء أنظمة ديمقراطية لكنا اليوم جزء من منظمة ديمقراطية، ولكان وضعنا أفضل بكثير، على الأقل ما كنا بحاجة لدفع هذه الفاتورة الضخمة من الضحايا والدمار . يبقى أننا اليوم أمام رهان كبير وصعب، خاصة بعد إصرار الدينيين وصم نظام الأسد بالعلماني، وهم يقومون ذلك بمكر وبسوء نية، لأن هذا النظام لم يحمل من العلمانية شيء، يغمزون بأن العلمانية أدت إلى حالة متردية، وهم مدركون أن ذاك النظام قدم للتيار الديني الأصولي والمتشدد، أكثر بمليون مرة من مما قدمه لقضية الحريات والفصل بين السلطات وجميع القيم العلمانية . أظن أن العلمانية ستدق بابنا بقوة، وسيتمسك بها حتى من حاربوها لجهل في جوهرها، وأعيد التذكير بمقولة أردوغان رئيس الوزراء التركي، لولا النظام العلماني في تركيا لما وصل حزب التنمية والعدالة للحكم، لقد وصل الحزب للسلطة بعد أن بات يتمتع بجوهر ديمقراطي وهو بذلك يختلف كثيراً عن جوهر النهضة التونسي، والأخوان المسلمين المصري الاقصائيين حتماً . نحن نحتاج إلى جيلين و ربما ثلاث من العمل الدؤوب ، لكن شعوبنا لا شك ستتطور، ولن تعود إلى الوراء، لأنها بذلك تخالف قوانين الطبيعة، وهذا غير جائز. نحن اليوم مدعوون للبذار و زرع الغراس ونعلم أننا لن نكون من يقطف الثمر ولا من يتلذذ بطعمه سيكون المتنعمون بذلك أولادنا وربما أحفادنا !! لكننا وبهذا الغراس إنما نقوم باستثمار قيم .. نقدم الكثير لأجل الأجيال القادمة، تقدم مستقبلاً خالياً من التبعيات والهيمنة ومن أي نوع … قادمون لينا موللا صوت من أصوات الثورة السورية
|