انت هنا : الرئيسية » الواجهة » جيوسياسة: من أجل تجديد فكر  جيوسياسي  إسلامي (1)

جيوسياسة: من أجل تجديد فكر  جيوسياسي  إسلامي (1)

ترجمة :بوطاهر لطيفة

Tebyan.net

هو الموقع الذي عثرت فيه على هذا المقال غير الموقع و المنشور باللغة الفرنسية    سنة 2008.

عنوان مستفز فكريا يتطرق لغياب وعي الأمة الإسلامية بضرورة تفعيل مراكز قوتها الجغرافية,

ومواردها البشرية المتنوعة, ومقوماتها المعرفية و ركائزها الحضارية بهدف خلق تكتل جيوسياسي فعال ومؤثر في كل المعادلات الاستراتيجية الكونية.   

افتتح صاحبه المقال الآتي , بآيات كريمة من سورة البروج:(2)

 قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9).)

الجيوسياسة مفهوم يربط الجغرافية بالثقافة و السياسة, ومن هذه التركيبة  وهذا التداخل بين الفضاء (الجغرافيا), والزمن الحاضر(التاريخ والثقافة) و المستقبل(السياسة) ,يولد هذا المفهوم الذي يتناغم بقوة مع  رؤية الإسلام العميقة والشاملة للعالم. ورغم ذلك, فإن الفكرالجيوسياسي  غائب في العالم العربي الإسلامي.

توجد بالتأكيد في كل بلد يحسب أنه مسلم, بعض المؤسسات الهزيلة التمويل و التابعة للسلطة السياسية التي تتزود منها بمعلومات جيوسياسية تتراوح بين السيئ والجيد حول إشكالية معينة.

تتميز دائما ببعد قومي أو إثني أوديني أوسياسي مدعوم إلى حد ينقص من حمولتها الفكرية. ورغم وجود مثقفين قادرين على فهم المشاكل العالمية بشكل كبير, يغيب التصور الجيوسياسي الإسلامي نظرا لأسباب  متعددة:

أولها  -تحريم  فكرة الجيوسياسة الإسلامية ,لأن من يتطرق لهذا الموضوع يحرك عند مخاطبيه مشاعر متفاوتة في درجة بدائيتها. ثم إنه موضوع صعب يستدعي من متناوله حدا أدنى من القدرات الفكرية  والنزاهة  التي تغيب في أغلب الأحيان.

– موضوع لا يدر النفع إلا على ألد خصومه, ومفهوم لا يسمح بالتعبير إلا لأعدائه مما يزيد من ضعفه. هذا أمر مرفوض في حد ذاته, لأنه  يخفي جبنا ويعكس كسلا فكريا ويترك فراغا يملأه المنتقدون و المتطرفون و الانتهازيون من كل الأشكال. 

 من الخطئ طبعا القول بعدم أي تفكير جيوسيا سي عند المسلمين , غير أنه لا يخضع لأية منهجية ويظل بالأساس موجها لديبلوماسية الدولة, ولا يكتسي  أي ذكاء جيوسياسي على المدى البعيد .إنه مجرد دعم للمصالح الوطنية والحفاظ على ثقافة دولة معنية. وبعبارة أخرى إنه تفكير ناتج عن ردة فعل مما يقلل من اقتراحاته الإيجابية واستشرافاته.

في كلمة واحدة ,لا توجد إرادة خلق قوة جيوسياسة,و كل محاولة قيادية تكبحها مراقبة ذاتية. إما لأن صاحبها يخشى انعكاساتها المادية  و إما لأنه لا يؤمن  أساسا بفكرة جيوسياسة إسلامية.

 إذا القينا نظرة على المراكز الفكرية العالمية, فإننا نجد أغلبيتها الساحقة غربية وما عداها يحاكي أديباتها حين لا ينسخها. إن كتابة مقال أو تقرير أو دراسة جيوسياسية يفرض إطارا نظريا ضروريا لأي تموقع حتى لو تمثل في الاعتراف بالحدود السياسية.

فعلى سبيل المثال, يتطلب الحديث  عن العالم الإسلامي  من صاحبه الاعتراف بواقع حضاري يسمى العالم الاسلامي ,بغض النظر عن القوة التفسيرية  أو المعرفية التي يعطيها له.

نعيش الآن في عالم أورويلي يرفض النظر الى حقائق كالطفل المتعب الذي يرفض النوم بحجة أنه ليس كذلك. العالم والإعلام والعالم الأكاديمي لا يعترفون إلا بما يعرفون بالفعل إنهم يتعرفون. يجب ان نقبل بحقيقة أن الإنسان عدو لما يجهله حسب القول المأثور للإمام علي .

تركنا بن لادن وشركاؤه يستأثرون بالساحة الجيوسيا سة الإسلامية .كانت القاعدة هي المجموعة الوحيدة الي تستحضر فكرة جيوسيا سة إسلامية في صيغة بدائية ومبسطة للغاية.

 أما المنظمات الإسلامية السياسية ذات المصداقية, فإنها لا تثير إلا القضايا التي تهمها 

وتكرس لها كل طاقاتها .وليس ملائما ان نفرض على منظمة سيا سية تحليل حالة او وضعية خارج سيطرتها. ستشمل تحليلاتها مقترحات إصلاحية  تظهر للوهلة الأولى كبرنامج سياسي غير ذي تأثير, ولا قابل  للتنفيذ لأنه ليس في متناولها مما يسيء لرصيدها السياسي. 

ولهذا السبب يظل مختبر الأفكار  هو القادر على استيعاب والتكيف مع ما هو جيوسياسي إسلامي.

ولكن المختبرات الفكرية ممولة بشكل عام من قبل الشركات الكبيرة. ومن المؤسف, أن تضيق الحدود بين الأكاديمي و الأعمال لحد نطرح فيه إشكالية استقلالية التحليلات المنتجة.

في الإسلام كما في الديانات الأخرى ,توجد فكرة الوقف وبيت المال التي قد تضمن استقلالية نسبية لنظام البحث. ورغم ارتباطها الوثيق با لشرع, يظل الوسط الديني من مسا جد وجمعيات خيرية منفصلة أيضا عن عالم الأعمال.

يجب أن يصبح التفكير الجيوسياسي تربية  دينية كما الفقه لأن أهميته ليست اقل منه. وهو بدون شك من  فروض الكفاية التي لا تسقط على المسلم إلا باختفاء الحاجة.

فما هي حاجتنا إلى تفكير جيوسياسي إسلامي؟

إذا قبلنا بوجود عالم إسلامي, فإن المفهوم يطرح نفسه, حتى ولو من باب التناقض مع خصومه. أما   إذا رفضناه, فإننا سنضطر لاستحضاره حتى نتصدى لمن يعمل على تشويه.

يجب أن نعترف بأن المسلمين خاضعون لأجندة  غيرهم من خلال وسطاء متداخلين وهذا  هو الوضع الاستراتيجي  الذي يجب تجنبه.

          أولى القواعد الاستراتيجية التي نتعلمها في  مدرسة الحرب ,تؤكد على ضرورة نقل المعركة إلى معسكر الخصم. مع تنظيم القاعدة, ا استطاعت أمريكا ان تقود معاركها في الأراضي الإسلامية. فلنتفحص خطاب بن لادن, لا توجد به لا استراتيجية ولا تكتيك. بل بالعكس, فإن طبيعة وجدول أعمال بن لادن تتماشى مع المصالح الأمريكية. القاعدة  هي الحجة او حلم الأمريكيين للدفع ببيادقهم. لم يحلموا بذلك فحسب بل فعلوه. استطاعوا بفضل شبكات اختلاس مرتبطة بعقد اليمامة بمساعدة م 16 وجهاز المخابرات الأمريكية و الأمير بندر وتجارة المخدرات الأفغانية , أن يوسعوا نفوذها الاعلامي بالأساس.

فالقاعدة وهي العدو المفترض لأمريكا, تتمتع بتغطية إعلامية واسعة النطاق من كل وسائل الإعلام الرسمية للبلاد.

فماهي الأجندة السياسية للقاعدة؟

تحرير فلسطين؟ طرد الأمريكيين من العراق؟ تعليم وتربية المسلمين؟ تطوير العلوم والاقتصاد للبلاد الإسلامية؟ طبعا لا.

بالنسبة لإرهابيي القاعدة, يجب ترعيب الشعوب ,توليد الحروب الأهلية بين السنة والشيعة, تدمير الأماكن المقدسة للإسلام. وأخيرا تبرير كل ما يحول دون تقدم البلدان الإسلامية من ديكتاتوريات و احتلال أجنبي.

لا يوجد تفكير جيوسياسي يسمح بتأطير استراتيجية الحركات الإسلامية ويمنعها من السقوط في عدمية استراتيجية, يزيد من خطورتها انعدام وعيها بتسخيرها و التلاعب بها من قبل  من يفوقها ذكاء.

للجيوسيا سة الإسلامية ركائز قوة أساسية حاسمة كالمضايق :مضيق هرمز وعدن, باب المندب و جبل طارق, عطفا على موارد طبيعية وبشرية متنوعة ونمو سكاني شاب  .

ظهور وعي جيوسياسي عند المسلمين من شأنه أن يخلق –دون شك-تعاونا دوليا قادرا على التغلب على أوجه الضعف الحالية, ويزود من فاعليته الإجراءات  التي من شأنها أن تحقق أهداف الحضارة الاسلامية, يعني تجسيد الوحي القرآني الذي جعل من أمة المسلمين خير امة اخرجت للناس تامر بالمعروف و تنهى عن المنكر.إنها الطريقة لتحقيق مجتمع إنساني حقيقي.

—————————————————————————————————————–

 1) Géopolitique: pour un renouveau de la géopolitique islamique

2) سورة البروج سورة مكية وعدد آياتها 22 . تتطرق  لقصة أصحاب الأخدود  الذين أحرقوا في نجران   لتمسكهم  بديانتهم النصرانية. ترجع بعض  الروايات مسؤولية حادثة الأخدود للملك الحميري يوسف أسأر يثأر المعرف عربيا باسم (ذي النواس)

عن الكاتب

عدد المقالات : 1621

اكتب تعليق

الصعود لأعلى