انت هنا : الرئيسية » الواجهة » فيلم “حالة تسلل” للمخرج الإيراني جعفر بناهي

فيلم “حالة تسلل” للمخرج الإيراني جعفر بناهي

 iran

باريس ــ حميد عقبي:

فيلم “حالة تسلل” ، يتابع مغامرة مجموعة من الشابات المحبات لمباريات كرة القدم يقمن بالتنكر  بزي أولاد لمتابعة مباراة المنتخب الإيراني مع المنتخب البحريني في مبارة هامة للتأهل لكأس العالم 2006، تحاول الشابات التسلل الى الملعب وهن يعلمن أن هذه الطريقة مخاطرة غير قانونية وقد يتعرضن للعقاب كون القانون يحرم حضور جمهور النساء في المناسبات الرياضية ورغم هذا هنالك من يجازف ويركب المخاطر، الفيلم يتيح مساحة حرة لهذه الرغبة ورغم القبض على الفتيات فالفيلم يظل ينصت ويصور الرغبة في التحرر من قبضة الرقابة وفرض قيود مخجلة على حرية المرأة الإيرانية.

جمال هذا الفيلم تكمن في قدرته على التوفيق بين الكوميدية والمعاناة، كما انه يدير ببراعة هذه الأحداث التي نسجها هذا السيناريو الدقيق ليعكس الواقع ويذهب أبعد من ذلك ليناقش عمق الواقع، الفيلم يشبه الأسلوب الوثائقي لكنه يُغرقنا في قلب المجتمع الإيراني ويتيح تصويب نداء مؤثر من أجل تحرير المرأة.

في أبريل 2006، قرر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد السماح للنساء بمشاهدة مباريات في ملاعب كرة القدم حيث تم تحريم هذا منذ سقوط الشاه عام 1979، ولكن آية الله العظمى في مدينة قم المقدسة رفض هذا القرار وحذر من خطر “الاختلاط الفاسد بين الجنسين” وبذلك سقط وتم التخلي وبطلان مرسوم نجاد.

جعفر بناهي معروف بمشاكسته للنظام الديكتاتوري الإيراني ويمكننا العودة لمشاهدة أفلامه: “البالون الأبيض” (1995) دائرة القيود” (2000)، وفيلم الذهب القرمزي  (2003)، ثم “حالة تسلل” (2006) الذي فاز عنه بجائزة “الدب الفضي” في “مهرجان برلين وفي وفي عام 2010، تم اعتقال بناهي وزوجته وابنته وعدد من أصدقائه بحجة الدعاية ضد إيران،  وفي عام 2011 صور فيلمه”هذا ليس فيلماً” وكان تحت الإقامة الجبرية ثم فيلم “الستارة المغلقة” في 2013 وفي 2015 فيلم “تاكسي” والذي فاز بجائزة “الدب الذهبي” لأفضل فيلم ضمن المسابقة الرسمية للدورة الخامسة والستين من مهرجان برلين السينمائي.

في الكثير من أعماله يميل بناهي إلى المزج بين الوثائقي والدرامي وهذا الأسلوب لم يمنعه من توجيه ضربات موجعة تفضح النظام، كما يحرص على تقديم صورة حضارية ومعاني إنسانية من عمق المجتمع الإيراني.

في هذا الفيلم “حالة تسلل” نرى أحدى الفتيات المراهقات تسرع بلبس الحجاب بعد توبيخ ذلك الأب الذي يبحث عن ابنته، هذا الخطاب التوبيخي يأتي من كل الجهات أي من الآباء ورجال الدين والمؤسسات التربوية والإعلامية وكلها تطالب المرأة بالبقاء في البيت والقبول بوضعها وعدم التفكير بالتحرر وعليها أن تشكر الله الذي منحها نعمة الوجود في هذا المجتمع، تكرار هذا الخطاب ووجود وسائل القمع والعقاب له تأثيره ولكنه لم يمنع وجود رغبة للتحرر.

  بعض الرجال لا يقبلون مجرد النقاش حول حقوق المرأة ويجدون هذا الحديث أشبه بالترف، ذلك العسكري يصم أذنه ويعجز عن مواصلة النقاش ويقول لتلك الفتاة المتحررة نحن لسنا في اليابان، التأرجح بين الخطاب الأصولي والالتزام بتطبيق القانون ووجود خوف من تعرضه للعقاب، وكذلك قسوة الوضع المادي، فهذا الشاب المجند يريد أن ينتهي من خدمة التجنيد والعودة إلى حقله وزرعه ولكن الفتاة نجحت في التشكيك في الوضع الذي تحكمه إملاءات أيديولوج سياسية ودينية وسلطة ذكورية ظالمة.

هذه النماذج الإنسانية تبحث عن القليل من الفرح وبعد الزج بهن في زاوية جانبية خارج رؤية الملعب الرياضي، يحاولن معرفة ما يحدث في الملعب، يتحول أحد الشباب المجندين إلى ناقل للحدث، ترى التفاعل الغريب وفي مشهد أخر يقمن بتخيل ما يحدث وتمثيله بجعل المساحة الصغيرة أي هذا السجن يتحول إلى ملعب، ثم نتابع الحافلة المتجهة إلى قسم الشرطة وهنا تظل الرغبة حية في متابعة المباراة بكل الوسائل الممكنة وتنجح أدوات المخرج بتلبية هذه الرغبة والمسالة هنا تتجاوز بالتأكيد توثيق الحدث الرياضي كوننا مع حلم طفولي لفتيات يردن الشعور بالحرية والمساواة ويرفضن هذا التميز وكل القيود الظالمة.

فيلم “حالة تسلل” للمخرج الإيراني جعفر بناهي، هو درس سينمائي بليغ ومن المهم مشاهدته لأي سينمائي أو محب للسينما، نحن مع كاميرا تحس بكل شخصية وتعطيها أهمية فلا توجد شخصية خارج الملعب السينمائي ولدى كل شخصية ما تقوله وعندما نجمع هذه الشظايا سنشعر بقسوة الواقع والألم العام الذي لا يفرق بين رجل وامرأة في إيران.

المصدر:رأي اليوم

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى