انت هنا : الرئيسية » الواجهة » د. امير شاوردي الكلابي: قراءة بين اللغتين العربية والفارسية

د. امير شاوردي الكلابي: قراءة بين اللغتين العربية والفارسية

langue-perse

د. امير شاوردي الكلابي

لا يمكن مقارنة اللغة الفارسية باللغة العربية البتة؛ لكونها لن تصمد امام امواج نحوها وصرفها العاتية، وستغرق في قعر بحور عروضها، وستعجز امام بلاغتها وجمالها واناقتها في اول لقاء. فهي لغة العلم والادب وقبلهما لغة الدين واهل الجنة. وللغة العربية ميزة تمتاز بها عن اللغة الفارسية، فهي لغة  اشتقاقية  تتوالد مفرداتها وتتكاثر في بيئتها الخصبة بعكس اللغة الفارسية او التركية اللتين تعتبران من اللغات التركيبية. ولقلة المفردات في هذه اللغات يتم تركيب الكلمات لولادة معان اخری كما في  : دارو – دواء و خانه – بيت تصبح  (داروخانه) اي صيدلية. و هسته/ خسته اي متعب و هانه / خانه اي بيت في التركية تصبح (هسته هانه) اي مستشفي وكلا الكلمتين فارسيتان.  فضلا عن ان الكلمة العربية الداخلة الى الفارسية لايمكن تفريسها فتبقى على شكلها لتفرض هيبتها على سائر الكلمات الاخرى بوضوحها وبلاغتها. بينما نجد ان اللغة العربية تبتلع المفردات الاجنبية وتطرد حروفها الدخيلة لتنسجم مع بنيتها و اوزانها فقالت العرب في پیاده / بیدق و کنده / خندق. كما نلاحظ ان الفارسي يميل الى استخدام الكلمات العربية بدل الفارسية احيانا لوضوحها وسلاستها، فيقول جمعه بدل آدينه،  فالكلمة العربية تتألف من مقطعين ومعادلتها الفارسية تتألف من ثلاثة مقاطع والانسان يميل الى الاقتصاد في الكلام فكانت المفردة العربية تتبع مقولة خير الكلام ما قل ودل. كما نلاحظ ان بعض المفردات الفارسية تتبع صيغ الجموع العربية كجمع المؤنث السالم وجمع التكسير فجمعوا كارخانه اي المعمل الى كارخانجات وسبزي اي الخضروات الى سبزيجات وجمعوا استاد الى اساتيد.

قد درست اللغة الفارسية وعكفت اكثر من خمس سنوات ونصف في طهران جادا على تعلمها للحصول على شهادة الدكتوراه في آدابها، الا انني وفي كل يوم اقف على قدسية اللغة العربية وتفوقها على باقي اللغات الاخرى. فالكاتب يحتاج اليها والمترجم يلوذ بها ويصيبه العرج ان تفوق في لغة المبدأ وتعثر في لغة الهدف. ومن يحاول التمييز بين لفظ اعجمي وآخر عربي يحتاج الى معجم لغوي وصرفي الذي به تدرك المعاني، كما تعرف الاوزان من خلال علم الصرف الذي يعد بمثابة ميزان لالفاظ اللغة العربية . فمن خلاله يعلم الباحث ان خراسان على وزن فعالان وهذا الوزن ليس من اوزان اللغة العربية، وان آمين على وزن فاعيل وفاعيل ليست من اوزان الصرف العربي واللفظة قد تعود الى الاله آمون كما ذهب بعض الباحثين. واجمل من ذلك ان تعلم ان اللفظ العربي لا يمكن اشتقاقه من اللفظ الفارسي بتاتا واستشهد السيوطي في كتابه المزهر بقول محمد بن السري في رسالته الاشتقاق قائلا: «من اشتق الاعجمي المعرب من العربي كان كمن ادعى ان الطير من الحوت». فما اروع هذا الوصف الوافي! فمن يريد ان يعرب لفظا اجنبيا يجب ان يلم بقواعد التعريب، فالعربية لاتبدأ بساكن ومابدأ بساكن يضاف اليه همزة الوصل للوصول بها الى الكلام وتسهيل نطقها فعربوا stolos)) اليونانية الى اسطول وليس سطول.

ومن يقرأ كتب البلاغة العربية يعلم ان كتاب البديع لابن المعتز هو اول كتاب الف في هذا المجال ابان القرن الثالث للهجرة. في حين ان اول كتاب الف في البلاغة الفارسية هو (ترجمان البلاغة) لمؤلفه عمر الرادوياني يعود الى القرن الخامس للهجرة، اي بعد قرنين من الزمن، واكثر مصطلحاته وشواهده عربية. اما ان اطلعت على المعاجم اللغوية لوجدت ان اول معجم فارسي هو (لغة الفرس) للمؤلف اسدي الطوسي كان قد الف في القرن السابع الهجري ورتبه في عدة ابواب على اساس الحرف الاخير. وقد الف كثير من الفرس في العربية كالفيروز آبادي وسيبويه ونفطويه والزمخشري والباخرزي والثعالبي لكنهم لم يتركوا لنا مصنفا واحدا بلغتهم للاسف. اما الاساليب النثرية فمن يقرا كتاب (نفثة المصدور) وهو كتاب تاريخي الف في القرن السابع الهجري يُدرّس اسلوبه الفني لطلبة الدكتوراه المختصين في اللغة الفارسية. اذ يستعرض فيه مؤلفه (شهاب الدین محمد خزندزی زیدری نسوی) آلامه وحسراته لما جرى على الديار من خراب بيد المغول التتار. وكما يتضح من عنوانه العربي ان الكلمات العربية تتجاوز في عديدها حجم الكلمات الفارسية؛ وذلك لانتشار النثر الفني في تلك الحقبة ومحاولة الكتاب الفرس مجاراة العرب في اساليبهم النثرية وخاصة السجع. فالفارسي لايفقه معانيه مالم يستعن باستاذ لغة عربية او يرجع الى القاموس.

اما العروض فهي عربية من الفها الى يائها وقد تاثر بها شعراء الفرس الاوائل ونسجوا اشعارهم على غرارها حتى قال المولوي جلال الدين الرومي:

مفتعلن مفتعلن مفتعلن کشت مرا …. پوست بود پوست بود درخور مغز شعر

ومعناه : قد قتلتني مفتعلن مفتعلن مفتعلن … ماهي الا قشور في عقول الشعراء.

ويذكر المؤرخون ان اهل شيراز  قد اعترضوا على شمس قيس الرازي عندما الف كتابه (المعجم في معايير اشعار العجم) وقالوا له : كيف تؤلف كتابا في احوال اللغة الفارسية واشعارها، باللغة العربية؟ فقال لهم: لو كانت الفارسية تمتلك قليلا من المرونة كما العربية لالفت كتابي بها. وهذه شهادة للتاريخ تثبت ان اللغة الفارسية مع ما لها من شأن رفيع وادب بديع وفكر سامي ماهي الا جرم صغير يستمد نوره من شمس اللغة العربية  ويدور في فلكها.

كاتب واكاديمي عراقي

المصدر:رأي اليوم

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى