البلاك بلوك”.. كنموذج لحركات العنف غير التقليدية في مصر
شكل ظهور جماعة بل”البلاك بلو ك” – التي ربطها البعض بأحداث العنف في الذكرى الثانية لثورة الـ 25 من يناير- متغيرا جديدا في الساحة السياسية المصرية بعد الثورة، إذ عبرت تلك الجماعة عن نموذج لحركات العنف غير التقليدية التي ليست لديها ذات الأطر الفكرية والأيديولوجية لحركات العنف التقليدية، مثل: تنظيم القاعدة، والسلفية الجهادية، التي ظهرت بصورة ملحوظة داخل سيناء خلال الأشهر الأخيرة.
لقد شكلت الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها الدولة المصرية، عقب الثورة، بيئة مواتية لبزوغ حركات العنف غير التقليدية. وعلى وجه الخصوص، تراجع دور الدولة، وعدم قدرتها على التفاعل مع معطيات ما بعد الثورة، وهى الإشكالية التي تداخل معها معضلة الثنائيات المدنية– الدينية الحائرة، والمهيمنة على الواقع السياسي. وعطفاً على هذا، باتت هناك أسئلة مفتاحية مطروحة حول طبيعة حركات العنف غير التقليدية في مصر، وأسباب نشوئها، واحتمالات حدوث امتدادات إقليمية لهذه الحركات لدول الجوار العربي.
“البلاك بلوك” من السياق العالمي إلى المصري:
تمثل جماعة “البلاك بلوك“Black Bloc” امتدادا عالميا لحركات عنف في عدد من الدول الغربية، ظهرت للرد على قضايا بعينها، فلقد كان أول بزوغ لتلك الجماعة في منتصف الثمانينيات في ألمانيا الغربية، احتجاجا على استخدام الشرطة الألمانية للعنف المفرط، أثناء محاولة إخلاء سكان بعض المناطق من أجل إنشاء محطة للطاقة النووية، وامتدت الحركة إلى الولايات المتحدة في التسعينيات أثناء التظاهرات ضد حرب الخليج عبر نشطاء الأناركية واللاسلطوية، كما شاركت في المظاهرات المناهضة العنيفة للرأسمالية العام ضد منظمة التجارة العالمية في العام 1999. وبدت “البلاك بلوك” أكثر عنفا في عام 2011، أثناء احتجاجاتها على غلاء الأسعار، وخربت الكثير من المحال التجارية في لندن.
وبشكل عام، ترتبط “البلاك بلوك” عالميا بصورة أو بأخرى بفكر الأناركية، وهى فلسفة سياسية ترى الدولة غير مرغوب فيها، وغير ضرورية، وتعارض السلطة. كما أن تأسيس مجتمع متساو قائم على العدالة والمساواة يعد من الأفكار الرئيسية لهذه الفلسفة[1].
أما في مصر، فتسعى “البلاك بلوك”، من خلال ظهورها كعنصر جديد في المعادلة السياسية، إلى التفاعل مع معطيات ما بعد الثورة عبر نهج أكثر عنفاً في مراوحة للطبيعة السلمية التي كانت السمة الغالبة لثورة 25 يناير ، وتوجه عنفها بالأساس للنظام القائم الذي لا يعبر ، من وجهة نظرهم، سوى عن جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم فإن عنف الحركة موجه ضد الجماعة والداخلية التي تدعم هذا النظام وتواجه المتظاهرين.[2] فالحركة تحاول استدعاء أفكار ثورة يناير، وتحاول تطبيقها، ولكن بأدوات أكثر عنفاً، حيث تروج لفكرة إسقاط النظام الحالي، خاصة مع تواتر الأخبار عن مسئولية الحركة عن الاعتداء على مقرات تابعة لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة[3].
ومن خلال المعلومات المتاحة – وهي قليلة لنظرا لحداثة الظاهرة في السياق المصري- يتبين عدة سمات لحركة البلاك بلوك في مصر:
– تؤمن البلاك بلوك بالعنف، وتستخدم قنابل المولوتوف والحجارة، وتميل لتخريب الممتلكات العامة والدخول في حرب شوارع مع الأمن، ثم تنصرف سريعا بعد تحقيق هدفها من الموقع المستهدف، الأمر الذي يدفع البعض إلى توقع أنها تنتمي لتنغير معلن يحرك تلك المجموعات في الشارع، بينما يرفض آخرون هذا التفسير، معتبرين أنها تمثل ذراع تيارات سياسية معلنة لمواجهة الخصوم، ولموازنة القوة في الشارع.ا
– اللجوء إلى العنف النوعي الذي يحدث تأثيرا في قطاعات عريضة من المجتمع ، مما يجعل الحركة مناط الحديث إعلاميا، عبر محاولة قطع طرق رئيسية، كما حدث في الإسكندرية في طريق الكورنيش، أو قطع طريق الترام، أو غيرها.
– التخفي أثناء أعمال العنف خلف قناع أسود على الطريقة الغربية، ولغة مشفرة خاصة بها على غرار حركات الغنف غير التقليدية السرية، وبالتالي يصعب تصويرهم خلال الأحداث، الأمر الذي دفع إلى البعض في مصر إلى الدعوة إلى إصدار تشريع يمنع تغطية الوجه في التظاهرات.
تتركز الشريحة العمرية للبلاك بلوك بين 16 و25 عاما، بحسب المعلومات المتداولة، مما قد يشير إلى أنها فئة شباب غاضب، ومتحمس في الوقت نفسه، بما يسهل من توجيهه في الشارع. كما أن لدى الجماعة قدرة أكبر على التعامل مع الفضاء الإلكتروني والترويج لأفكارها، عبر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وتمتلك قدرات تنظيمية تقترب بها من حركات العنف التقليدية، وإن كانت ليست على الدرجة نفسها من التسليح ، حيث أشار قائد البلاك بلوك بالاسكندرية- في حوار له مع صحيفة الوطن المصرية- إلى أن “المجموعة تعمل في إطار منظم، وتتشكل الحركة من مجموعات لكل منها قائد، وهناك قائد عام للمجموعة في المحافظة، ويعمل بالتنسيق مع مجموعات أخرى في المحافظات [.
– غياب إطار فكري أو أيديولوجي محدد لجماعة البلاك بلوك ، فهي مثلها مثل حركات العنف غير التقليدية التي ترتبط بمجموعة متغيرات داخلية معينة، وهو ما قد يجعلها قابلة لعدم الاستمرار، على العكس من التنظيمات التقليدية ذات الطابع الجهادي كتنظيم القاعدة التي تؤمن بأيديولوجية توفر لها الاستمرار، وبالتالي فـ”البلاك بلوك” تطرح نفسها كنموذج منافس لمواجهة ما تسميه “الميليشيات الدينية”، والمحسوبة من وجهة نظرهم على الإخوان المسلمين.
المصدر. السيا سة الدولية يتبع