انت هنا : الرئيسية » اخبار متنوعة » دوستويفسكي والبعد النفسي للشخصية الروائية وواقع الأدب العربي

دوستويفسكي والبعد النفسي للشخصية الروائية وواقع الأدب العربي

المعتصم خلف
للأدب جغرافيا تتبدل بحسب ظروف الكاتب في بلده و بحسب الفترة التي كتب فيها القسم الأكبر من أعماله ولذلك يختلف الأدب بين بلد وآخر , ونتيجة لذلك لا يمكن أن نجد ثقافة واحدة لإقليم كامل أو منطقة كاملة لأن لكل ظروف سياسية أو اجتماعية وحتى اقتصادية أثر كبير على قلم الكاتب و ورقته وحتى لتراجيديا الأرض أثر كبير على الكاتب وعلى أسلوبه ونهجه وأكبر دليل على ذلك أسلوب ادونيس وجبران خليل جبران يختلف عن أسلوب نزار قباني فولد الشاعرين في منطقة جبلية خضراء فيها مساحة من التأمل والتفكير فظهر شعرهما فلسفي لحد التأمل و ممتلئ بالروحانية القوية وهو عكس شعر نزار قباني الذي عاش ضمن أزقة دمشق فكان شعرة على أساس موسيقي ومجسداً بشعره ضخة دمشق وصخبها .
كذلك كانت حياة دوستويفسكي ضمن مدينة بطرسبورغ بعيدة عن جغرافيا العرب وبعيدة عن عادات الأدب الموجودة اليوم بيننا ولكن لا تقاس التجربة بما لها من قدرة على رصد الإنتاج الأدبي ولا بكمية الجماهيرية بل بتجسيد الأدب و بتجسيد الحالة النفسية في لروح الكاملة للعمل , وفي حالة التصوير النفسي أقصد البعد النفسي للشخصية الروائية , بحيث تصبح الرواية أحداث من جهة ومن جهة أخرى بعد نفسي يقودك إلى ذاتكَ لتوثق حاله النجوى للبطل , وهذا الأسلوب الذي ابتعه الكاتب الروسي دوستويفسكي لذلك اليوم تعتبر كتب دوستويفسكي مرجعيات نفسية لعلماء النفس في روسيا .
إذا بحثنا عن معنى البعد النفسي للشخصية نذكر قصة ( في قبوي ) , لأن الرواية تدور حول شخصية واحدة , شخصية تحمل من التناقض النفسي ومن التعب النفسي ومن الحوار النفسي ما جعل الرواية امتداد لشخصية القارئ , والقصة تدور حول سؤال أين ستجد هذه الشخصية نفسها ضمن المجتمع وكيف ستكون واحده من أفراد المجموعة , وهل تقود هذه الشخصية نفسها أم النفس هي من تقود الشخصية , من خلال هذه الأسئلة نجد أن قصة في قبوي هي سلسلة للأبعاد النفسية حيث تظهر هذه الأبعاد مع كل رواية ومع كل عمل ,وبهذا البعد ما يتعب الكاتب ليس طريقة ترتيب الأحداث ولا طريقة السرد بل كيف سيكتشف الزاوية الخامسة في شخصية القارئ وكيف سيقوي حالة رد الفعل التي يتلقاها القارئ من فعل الشخصية التي ابتدعها الكاتب.
إذا قمنا بقياس الثقافة العربية اليوم بواقعها الآن كمرصد للبعد النفسي للشخصية الروائية التي يجب إن تمتد حتى القارئ فهي غير موجودة , لأن شخصية القارئ العربي الذي اعتاد على الروايات التجارية التي تعتمد على الحس المفتعل والموقف المفكك لا تستطيع أن تدرك ماذا كان يريد دوستويفسكي من قصة (الشياطين) أو (نيتشوكا نزفانوفا) لأنه اعتاد على فوضى (الأسود يليق بكِ) مع أحلام وعلى شخصية(مريم) التي أربكت كاتبها وأربكت قارئها في (طوق الياسمين) مع (واسيني الأعرج)وهناك أيضاً حاله النجاح المفتعل أو المهشم مثل رواية ( عزازيل ) حيث كانت الفكرة مأخوذة من رواية ( أسم الوردة ) للكاتبUMBERTO ECO)), أنا لا أقول بأن الروايات العربية لم يكن لها ماضي حقيقي قادر على صياغة بعد حقيقي للشخصية مثل ذاتية (الأيام) (لطه حسين)أو ( يالو ) مع (الياس خوري) ولكن اليوم الجيل العربي الجيل الذي سيتربى على سرد مفتعل وشخصية أن اكتملت على الورق لم تكتمل في خيال القارئ ولم تأثر فيه كيف يمكن أن يكون مخزون أدبي للمستقبل.
أنا لا أقول بإن يجب أن نقلد دوستويفسكي أو أي كاتب أثبت بروايته الإبداع الأدبي أو الإبداع الروائي ولكن لدينا من الواقع ما يكفي لتشكيل روايات حقيقية وقادر على بناء شخصية القارئ العربي وعلى تشكيل رواية حقيقة رواية قادرة على نقل الواقع , لا نحتاج كل عام لرواية من كاتب أو كاتبة كل الهم لديهم المتاجرة وكل هدفهم هو إثبات الوجود , تعبنا من الكتب التجارية ومن الأقلام التي تدعي الإبداع , لا نحتاج إلى روايات مفككه لا حالة فيها ولا شخصية كاملة , كل ما نحتاجه هو الصورة الأدبية الكاملة , لا نطلب من أي كاتب عربي كتاب كل عام نحن لا نحتاج لإنتاج أدبي نحتاج لنوعية أدبية راقية , ( علوية الصبح ) استمرت بكتابة رواية ( مريم الحكايا ) ما يقارب العشر أعوام لتنسج لنا أبداع روائي وقصة حقيقة قادرة على أن تكون من روائع الأدب العربي , لذلك يكفي متاجرة بعقلية القارئ العربي , نحتاج لكتاب نستطيع من خلاله أن نجسد التاريخ الذي نحن في خضمه أو أن نجسد الفكر العربي أو الواقع العربي , المهم نريد أي دليل على انتهاء حالة الكتب التجارية الكتب التي لا تقدم للقارئ سوا قصة مفتعلة لا نسج فيها ولا حالة.
رأي اليوم

عن الكاتب

عدد المقالات : 1688

اكتب تعليق

الصعود لأعلى