انت هنا : الرئيسية » اخبار متنوعة » حرب على الحروب

حرب على الحروب

دلال البزري |

من المغري تأييد هذه الحرب العربية على الحوثيين في اليمن. ذلك أنها انفجرت في لحظة مناسبة، تراكمت في ذروتها كل المشاعر السياسية المعادية للحرس الثوري الإيراني؛ ولا حاجة هنا لتكرار ظواهر التبجّح الإيراني، سواء بميلشياته الخارقة للإجماعات الوطنية، الهزيلة أصلا، أو بتصريحات قادته وصورهم وراياتهم، المنتشرة على مواقع قتال عربية. وبالنسبة لأشخاص مثلنا، لا يؤمنون بالإنتماءات الطائفية والمذهبية، ولا يبنون عليها مواقفهم، فان الاختراق الإيراني لأوطاننا الهشة، أحيا شعورا قوميا عربيا، محبَطاً، مضغوطاً، كاظماً غيظه وقدرته على التصدّي لهذا الاختراق. ومن الطبيعي ساعتئذ، أن تغرينا “عاصفة الحزم” بصفتها رداً عربياً موحدا على التمدّد الإيراني في ديارنا. ولكن هذه الإيجابية تحدّها الخسائر البشرية والعمرانية لهذه الحرب، كما لكل حرب، وتحدّها أيضاً تحفظات و تساؤلات.

أولها أن تلك القومية العربية التي حرّكت موقفنا من هذه الحرب ليست تماما ما يقصدها لاعبوها الرئيسيون والثانويون: إن الحشد “الفكري” الذي عبأ لها يهيمن عليه المنطق الطائفي، مع غلبة أمامية وخلفية للمنطق المذهبي المنبثق منه. حسنا، إنها حرب سنية شيعية؛ إنها حرب أهلية عربية إسلامية. ولكن لحظة، إذا لم تطعَّم هذه الحرب بالوطنية والقومية، إذا لم تغذّى بغير سيرة طوائفها وحروبها الأبدية، المستعادة، فإنها لن تنتهي؛ وإن دخلت بالنهاية أطرافها في مفاوضات تحت وطأة اختلال، مؤقت، لموازين القوى. صحيح أن الوقت الآن ليس للمراجعة التاريخية، وضوضاء الحرب تعلو، ولكن: لكي لا تكون حرب اليمن على طريقة “داحس والغبراء”، علينا العودة إلى الذي سمح للإيرانيين بالتسلل إلى قلب مجتمعاتنا، وتجنيد ميليشيات من هذه المجتمعات بإمرتها، وولاء تلك المليشيات لوليّها الفقيه؛ انه ضعف عروبتنا، ضعف وطنيتنا، وضعف أنظمتنا السياسية القائمة على شتى أنواع التمييز، الطائفي منه والمذهبي، على رأسها. تصحيح التمييز هو الذي يجتثّ ميليشيات “باسدرانية” على أراضينا. صياغة تصور عن نوعية هذا التصحيح وكيفيته، عن ضروراته، عن مكوناته… وهذه مهمة يقولون عادة إنها تحتاج إلى تبصّر، أي إلى استقرار، لا حروب. حسنا، ولكن انتظار الهدوء بات من الغيبيات، والعقل يتحرك تبعا لوقائع تفرض نفسها عليه.

الأمر الثاني، في هذه الحرب، أنها دمجت الحروب ببعضها، ما يزيد من سيولة ساحاتها، و”يخلط أوراقها”. في المقام الأول، كان المسيطر على المشهد قبل “عاصفة الحزم” حربٌ “كونية” على الإرهاب، تنسق فيها إيران مع الولايات المتحدة، خصوصا في العراق، ويغتاظ  كبار قادتها من التسلل البسدراني الصريح والمتنامي إلى هذه الساحة. أما الآن فالمملكة العربية السعودية تقود حربا، أعدت لها بنفسها، بصرف النظر عن الأميركيين، فنالت موافقتهم واستشاراتهم، وقد تحظى أيضا بمساعداتهم الاستخباراتية والعسكرية واللوجيستية؛ وذلك في الحرب ضد من؟ ضد ميليشيات مدعومة من إيران وموجهة بأوامرها. فنكون بذلك بلغنا تشابكا بين حربين، تتداخل فيها الخيوط إلى ما لا نهاية. ولكن الخيط الأميركي وسط هذه المعْمعة هو الأوضح، حتى الآن: تبيِّن هذه الحرب بأن الأميركيين ليسوا أصحاب عقل استراتيجي ولا عقل طوباوي مثالي؛ عقلهم خليط من الإدعاءات المثالية وجهل بالعالم الخارجي و”براغماتية” مبتذلة، يقدّمونها على أنها “مصلحتهم”.

وبما أن أميركا الآن مؤيدة لعملية “عاصفة الحزم”، فهل يعني ذلك بأنها أوقفت، مثلا، ضرباتها الجوية على مرافق تنظيم “القاعدة” في اليمن؟ أو، هل تكون “عاصفة الحزم” قد وضعت جانبا الآن حرب بعض أطرافها ضد “القاعدة”، أم أن هذا التنظيم واقف الآن، يتفرج على خصومه يتلقون الضربات؟ ويعتقد بأنها ستكون في النهاية لصالحه؟ الطرف اليمني الثاني، المعادي أيضا للحوثيين، أي حزب “تجمع الإصلاح”، الإخواني الإسلامي، أي النظير اليمني للإخوان المسلمين المصريين الذين يقاتلون عبد الفتاح السيسي، أو هو يقاتلهم، هل يستفيد الحزب الإخواني اليمني الآن من ضربات “العاصفة”، ويستفيد إخوانه المصريون، بما انها، أي “العاصفة”، سوف تنال من خصومهم الحوثيين؟ وماذا عن “الحراك الجنوبي”، وهو طرف ثالث، منشق على نفسه، بين مؤيد للحوثيين ومعارض لهم، والمطالب بانشقاق جنوب اليمن عن شماله؟ هل هو بانتظار دور الاحتياط؟ أم يراقب “الحصان” الرابح؟

على هذا المنوال يمكن أن تتوالد التساؤلات، لشدة ما اشتبكت “عاصفة الحزم” مع الحروب الدائرة وتفرعاتها كافة، فكانت حربا على حروب، أو ضمنها، أو في سياقها… والبقية على الطريق.

المدن

عن الكاتب

عدد المقالات : 1618

اكتب تعليق

الصعود لأعلى