انت هنا : الرئيسية » اخبار متنوعة » رجاء عالم: عندما أكتب لا أكون امرأة لئلا أبدو مقموعة

رجاء عالم: عندما أكتب لا أكون امرأة لئلا أبدو مقموعة

لندن – الحياة – ” وكالة أخبار المرأة “
حين شاهدت الكاتبة السعودية رجاء العالم في حفلة افتتاح الأسبوع الثقافي السعودي في برلين شعرت وكأن شيئاً ما يلفها ويطوقها ويبعدها عمن حولها على رغم مظهرها العادي الطبيعي. شيء ما كان يُسدل غموضاً على وجهها ويبرز شروداً في عينيها وكأنها تجلس مع أفكارها وهواجسها في مكان آخر، مع أناس آخرين تراهم هي وحدها وتتحادث معهم من دون أن تحرك شفتيها، وتدون ملاحظاتها على دفتر غير مرئي.
في اليوم التالي، وكنت قد أخذت موعداً معها لإجراء مقابلة، قصدت القاعة التي تحدثت فيها الكاتبة مع الناقدة الأدبية الألمانية كلاودياكراماتشيك عن كتابها «طوق الحمام» الصادر أيضاً بالترجمة الألمانية. وحين بدأتْ في الإجابة عن أسئلة الناقدة لمست أنني أمام امرأة شديدة التركيز، تعي ما تقول وما تريد إيصاله إلى الآخرين من دون أن يسقط عن عينيها وعن وجهها حاجباً الغموض والشرود.
بعد انتهاء المناقشة التي حضرها عدد كبير من متذوقي الأدب الألمان والعرب الذين لم يبخلوا في طرح الأسئلة، التقينا في زاوية هادئة، وبعد ترحيب وتعريف بدأت الروائية في الرد على أسئلتي. بعد بضع جمل استشعرت بسرعة بأهمية البئر الذي تستمد منه العالم زادها الثقافي والروحي والتاريخي وهي تكتب قصصها ورواياتها. «مكة هي التي شكلتني» قالت بإيقاع موسيقي نوعاً ما بعدما سألتها عما تعنيه لها هذه المدينة، وتابعت: «لو كنت ولدت في أي مدينة أخرى في العالم لما كنت أشعر أنني أحمل هذه البصمة لأن مكة ليست مدينة عادية، بل مدينة مجاوري الله، والناس يأتون إلينا كل سنة للحج والصلاة، وعائلتي عائلة مطوفين للحجاج، وأنا أحمل هذا اللقب بعد وفاة الوالد».
وأضافت بعد أخذ نفس سريع: «فتحت عيني على لغات مختلفة، وذاكرتي مدموغة بنسيج من الأصوات واللغات والأزياء والأطعمة والروائح المختلفة، ثمة جو ثري في مكة». وبعد أن أشارت إلى أن الكتب التي توافرت لها في تلك الفترة جعلتها تقرأ وتعشق السفر، قالت إنها اكتشفت من خلالها «أن هناك آخر أيضاً» لا بد من التعرف إليه، ولذلك ما زالت تسافر وتسافر.
حين سألتها عن ميزات الثقافة السعودية سارعت رجاء العالم إلى التأكيد بأن الشعر كان دائماً لسان العرب، وأن الرواية لم يكن لها وجود في المملكة، لذا كانت كتاباتها الأولى أقرب إلى النثر الشعري، لكن اتصالها العميق بالآداب العالمية كما ذكرت أظهر لها «أن الرواية مجال واسع يمكن أن تُسقِّط فيها الأصوات العديدة التي تتلاطم في رأسها». ولفتت إلى أن هذا كان حال عدد من الكاتبات الأخريات في الماضي القريب «اللواتي كسرن المألوف في كتاباتهن فخرجت انتقادات تتهمها بأنها جريئة، لكن هذه الفورة الأولى هدأت اليوم بحيث تخرج كتابات أعمق وأنضج وتمثل صوت البلد الحقيقي». وعن مغزى قولها خلال المناقشة بأن أهل مكة يعيشون في الماضي فيما المدينة تتغير ليحل الحديد والزجاج والأبراج فيها محل الحجر، أوضحت أن ما كتبته في «طوق الحمام» وفي قصص قبلها «هو عن مكة جدتي، ومكة الطفولة والوالد والخالات، حين لم تشهد المدينة تغيّراً كبيراً». واستدركت: «تغيّر الثوب، لكن الحاضر لا يلغي الماضي، وبمجرد أن تدخل الحرم وتواجه الكعبة المشرفة تشعر أن روح المدينة ما زالت موجودة مهما تغيّرت».
وسألتها: لكنك لا تركزين على المرأة وحقوقها، بل تستخدمين التعبير الإنساني، هل هذا تهرب من المساهمة في تحرير المرأة من كل ما يكبلها إن في السعودية أو في العالم العربي؟ فاجأني جوابها الذي بدا لي أنها لم تبحث عنه ولا للحظة واحدة: «لم أفكر أبداً أنني امرأة، إن فكرت فيعني ذلك لي أنني مقموعة، وبالتالي يعني أيضاً أن الرجل مقموع، أي إعاقة مشتركة». وتابعت: «أنا من عائلة محافظة وبدأت أكتب وأنشر باسمي الحقيقي من دون أن أستشير أحداً، وعندما أكتب أكون في عالم آخر، وفي لحظة الكتابة أنا فوق الرقيب، ومن يخضع له ليس لديه شيء يقوله».
أردت هنا أن أحفر أكثر فقلت لعالم ألا تعتقدين أن المرأة العربية تعاني من التمييز بحقها، ردت بصورة قاطعة: «العطب يأتي من المجتمع والتقاليد. الجزيرة العربية مجتمع قبلي والإسلام لم يقمع المرأة، ونُقل عن لسان السيدة عائشة: خذوا نصف دينكم من هذه الحميرة. المرأة العاملة في السعودية تحصل على راتب الرجل نفسه، صحيح أنه توجد وظائف لم تحصل عليها بعد، لكنها الآن تتوسع، وقد أعطى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله المرأة مكانة فصارت تمارس التجارة في الغرفة التجارية بحرية كاملة، وهي ممثلة في مجلس الشورى بثلاثين مقعداً، وجلّ ما أخشاه أن تكون المرأة تكبّر دور الضحية وتشجع النظر إليها على أنها تعاني».
سألتها: «بمعنى آخر هل تحثين النساء السعوديات على تنظيم أنفسهن؟ أجابت الحائزة على جائزة «بوكر»: «المرأة السعودية عصب أساسي في الحياة، وهذا كلام غير جديد، أم تعتقد أنني طلعت فجأة مثل الانفجار الكوني الذي خلق الأرض؟ إنه تراكمات ونمط حياة، وأنا واحدة من كثيرات في البلد، ولدينا في الواقع نساء مذهلات أكثر جدية في التعليم وفي العمل الدؤوب من الرجال، مثل فريدة الحسون التي غيرت وجه التعليم في جدة، لذا إذا تقدم رجل وامرأة اليوم للحصول على وظيفة في السعودية فيجري اختيار المرأة بالتأكيد. بالطبع كان يوجد تعتيم على دور المرأة، لكن الأضواء سُلّطت عليه اليوم».
من هي رجاء العالم وماذا تريد، بادرتها بالسؤال. فكّرت برهة وجيزة وهي تنظر إليّ وأجابت: «رجاء العالم تحب الحياة، وتتمنى أن يعيش الناس اللحظة الراهنة لأننا لا نملك غيرها الآن… الماضي انتهى والمستقبل لا نملكه، والصعوبات تصنع الشخص، وما من أحد قادر على منع شخص يريد الاستمتاع بالحياة».
ولكن ماذا تريدين من هذا العالم الواسع؟ ألححت عليها، فكّرت بعينيها الشاردتين وقالت: «أرى نفسي مثل رحالة وأشعر أن ثمة ضرورة لأن أصل إلى شيء ما، إلى حقيقة ما، وأنا أعتقد أنني أتحرك في اتجاهها بشكل سريع، هناك مفتاح يفتح كل الأبواب، أبواب الحياة والموت… نروح ونرجع ونكرر ذلك بدلاً من أن نروح ولا نرجع». هل تعنين نوعاً من التقمص، تساءلت متعجباً؟ أجابت بثقة: «لا ليس تقمصاً، بل أن نكون الكلّ بالمطلق. التقمص هو أن تتجسد في جسد آخر، لكنّ ما أقصده أكبر من الجسد».
نظرة تفاؤلية؟ أكملت. «لا أعرف، قالت، ثم تابــعت: لا لــيس هذا، وإنما لحظة فرح، فأنا أشعر بالقدرة على الاستمتاع بأي لقمة عيش على سبيل المثل لأن الحياة جميلة في الواقع وهي عيش الرضا».
الحوار المتمدن

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى