انت هنا : الرئيسية » اخبار متنوعة » إلى روح المهدي المنجرة….

إلى روح المهدي المنجرة….

إعداد بوطاهر لطيفة

latefa

وداعا لمن يشهد له كل أحرار المغرب و العالم بغزارة العلم و تسخيره لخدمة القضايا العادلة لشعوب و أمم خذلتها نخبها. و داعا للمثقف الملتزم ذي الفكر الخلاق المبدع ،الذي أعطى للكرامة الإنسانية أروع محتوى ،أحضرها في التعبيروجعلها هدفا للحياة.
سيدي..
لعلني بل إنني أبسط تلميذة في مدرستك الفكرية:”الدراسات المستقبلية تحاول أن تتوقع ما هي التغيرات الجذرية التي بدأت الآن و التي يمكن أن تتكون في المستقبل، و ماذا سيكون تأثيرها على هذا التطور”.
قرأت و لازلت أقرأ بنهم شديد كل كتبك و مقالاتك. و كنت هذه الأيام بصدد إعاة قراءة مؤلفك:”الحرب الحضارية الأولى/مستقبل الماضي و ماضي المستقبل”.
ا فتتحته بآية كريمة من “سورة فصلت”
“سنريهم من ءايتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شىء
شهيد”.
وقلت في “العالم الإسلامي و المستقبل”:”إن هناك فرقا كبيرا بين الغيب و المستقبل.الغيب شيء خاص بالقدرة الإلهية.أما المستقبل، فقد أعطانا الله القدرة لتغيير أمورنا بأيدينا( سنريهم آياتنا في الآفاق).أنا أفهم الآفاق
نظرة مستقبلية”.
وأهديته لأرواح ضحايا جميع الشعوب، من جميع الأجناس،ومن جميع الثقافات،ومن كل فصيلة وعمر،ومن جميع الأزمنة………”
وتهديه أيضا” لمستقبل الذاكرة الجماعية للإنسانية التي لا يمكنها أن تنسى بتاتا،ولجميع المدافعين عن السلام”.
كتبته في ظرفية تاريخية محددة و تناولته من زوايا متعددة و سلطت الضوء على الحضارية منها- وكنت أول من فعل- لتستشرف مستقبل النزاعات. وشهد بذاك مؤلف:ا صطدام الحضارات”.
و قلت في 1991:”مستقبلنا ليس بأيدينا و ما ضينا ليس بأ يدينا أيضا.فنحن يلزمنا حسب التقديرات 60 سنة لدراسة ماضينا.في هذا الوقت الغرب لا ينتظرنا، فقد درس مستقبلنا و لديه توقعات حولنا و يتصرف على هذا الأساس.نحن بدون ماض و بدون حاضر و مستقبلنا مرهون، و هذه قضية خطرة للغاية.”
غيبك المرض عنا وقبله الرقابة. و كم تمنى الكثيرون منا سماع رأيك في هذه الانتفاضات أوما اصطلح على تسميته “بالربيع العربي” ،و كنت قد تنبأت بها كعالم مستقبليات في كتابك” الإهانة”.
” الدفاع عن الكرامة لا يمكن إلا أن يثير ردود فعل قد تكون عنيفة في طبيعتها و ستندلع انتفاضات جديدة في كل الوطن العربي الإسلامي مخلفة ثمنا ا جتماعيا و إنسانيا كبيرا.”
و تمردت، ولتمردك مرتكزات فكرية صلبة ضد الأنماط الفكرية السائدة ،و انتقدت بجرأة صادقة كل المثقفين المتواطئين مع أنظمة فاسدة و غرب متعجرف لا يرى لغير الهيمنة بديلا.
كنت طالبة لما رايتك و لأول مرة في باريس. كنت مدعوا لحضور ندوة” نظمتها مجلة النوفل اوبسرفاتور”-أ كتوبر 1990-، تحت عنوان: الخليج : الأزمة الأولى بعد الحرب الباردة.و لازلت أذكر ردك الصارم على المدافعين عن أطروحة الإجماع الدولي بخصوص العراق: ” لو سمعكم الطلبة و الباحثون العرب في القانون لقالوا إن المستوى الفكري و طاقة التحليل الغربيين قد تدنيا وهنا تكمن بداية تقهقركم”.
كنت موجبا في علاقتك مع الآخر لأن الندية هي أساس العلاقات الجادة المثمرة ؛و “كانت المقاصد هي ما يهمك في الحوار”.
سنفتقدك كما يفتقد البدر في الليلة الظلماء، وسيشهد التاريخ على بلاهة أمة لم تر ، لم تسمع ولم تستثمر علم و خبرة واحد من أحسن و أروع ما أنجبت.سيشهد التاريخ على إهمال فكر لم يوظف في تصور أي مشروع من مشارعنا المستقبلية.
لم نقرأ معك حاضرنا لتعيننا على استشراف مستقبلنا….. فأ خطأنا في حقك و حق أمتنا.
المصاب جلل…و لا أدري ما العزاء؟
أفي سطوع نجمك في سماوات متعددة من هذا الكون؟ لا أعتقد ،لأنك لم تعر للذاتية و طيلة حياتك التي تفيض عطاءا، أ دنى حيز.
أ في هذا العمل العلمي الجاد من أجل تحصيل و تلقين المعرفة كأداة لتقوية الذات و الحق في الحياة الكريمة؟
أفي هذا النضال الدائب ضد الغطرسة الثقافيةو “الانغلاق الإثني الذي يمنع الفهم و التفاعل مع أنساق قيم مختلفة”؟
أفي هذه الشجاعة و “الرقا بة الذاتية التي مارستها ضد التواطؤ مع كل أشكال التسويات؟
لعل العزاء يكمن في هذا القليل الذي ذكر من مواقفك،لأن ما خفي منها أعظم..
ولعله في الإرث العلمي الذي جاد به علينا عقلك و كرمك في العطاء،
لعله في تأسيس مجموعة تفكيرية تحمل اسمك ، و تعتمد الدراسات المستقبلية تجاه كل القضايا المصيرية للأمة.
لعله في كل هذا و أكثر منه…
إننا مدينون لك با لكثير …وأنت قد بلغت.
لا يسعنا و الحسرة على فقدانك تمزقنا ،إلا أن ندعو الله سبحانه و تعالى أن يصدق فيك قوله العظيم:
” ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فا دخلي في عبادي و ادخلي جنتي”.

و سلام على روحك الطاهرة كلما شاء الله أن نصبح و نمسي.
باريس 15-06-

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى