الشيوعية. والإسلام. وجدتى
نوال السعداوي
لم تقرأ جدتى القرآن ولا كارل ماركس ولا أى كتاب. مع ذلك كانت تحكم بالعدل فى أى نزاع يحدث بين الرجال فى عائلتها أو قريتها. إنه تقليد موروث فى الريف المصرى منذ عصر إزيس إلهة الحكمة ومعات إلهة العدل.
الإحساس بالعدالة. صفة إنسانية طبيعية. كالاحساس بالحب والحرية والكرامة والمساواة. لكن لعبة الأحزاب والحكم تفسد الاحساس بالعدالة لدى أغلب المشتغلين بالسياسة. ولم تعد العدالة تعنى المساواة الحقيقية بين الناس (بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو الطبقة). بل أصبحت العدالة هى التوازن بين القوى الحزبية المتنافسة على الحكم. المتمرسة على الموازنات لتحقيق التوافق بينها وتوزيع المقاعد والمناصب حسب قوة كل منها وليس حسب العدالة. وحزب النور السلفى (يرى وجه المرأة عورة) ونشأ (ضد القانون) من أقلية قليلة بعد يناير 2011 – يحظى بوزن سياسى فى لعبة التوازن (داخل لجنة الدستور). أكبر من نصف المجتمع. أربعون مليون امرأة وأكثر.
أغلبية الشعب المصرى خارج الأحزاب بحكم القانون الذى يمنع نصف المجتمع (النساء) من تشكيل حزبهن. ويفرض شروطا مادية وسياسية متعسفة لا يقدر عليها العمال والفلاحون والأجراء بحكم فقرهم وجهلهم بألاعيب السياسة. وقد نشأت أنابين طبقتين. طبقة أبى من الفلاحين الفقراء – وطبقة أمى من البهوات فى القاهرة والأعيان أصحاب الأرض فى الريف. لم يكن للفلاحين الفقراء دور فى السياسة. إلا أن يحشدهم الباشا أو البيه صاحب العزبة كى يصوتوا له فى الانتخابات. وينجح الباشا أو البيه بعد أن يقدم للفلاحين وعودا (كاذبة) بتحقيق مطالبهم. ويدور النقاش فى البرلمان حول أبسط حقوق الفلاحين حينئذ. فيعترض النواب البشوات صائحين: هذه بلشفية. هذه شيوعية. وفى بيتنا كان الصراع يدور بين عائلتى أبى وأمى أشبه بالصراع فى مجلس النواب. تقف عائلة أمى مع البشوات والبهوات والملك فاروق يؤيدونه. لأن اللَّه معه فى كل خطواته. وتقف عائلة أبى ضد الملك والحكومة على رأسهم جدتى التى تقول: “لا يمكن ربنا يكون مع الظالم”. يرمقها الرجال فى استعلاء. ذوو البدل الأنيفة (والبايب بين شفاههم الندية). كيف تشارك الفلاحة العجوز فى النقاش السياسي؟. لكنها لا تأبه بهم وتواصل دفاعها عن العدالة البسيطة البديهية. وإن قال لها أحدهم إنها لم تقرأ القرآن ترد جدتي: ربنا هو العدل عرفوه بالعقل وليس بالكتاب. وأصبحت جدتى الفلاحة شيوعية ملحدة مثل ابنها (أبى) فى نظر رجال السياسة من عائلة أمى. رغم أن أبى لم يكن شيوعيا ولا علاقة له بأى حزب. لكن تهمة “الشيوعية والإلحاد”. كانت تلصق بأى شخص ينطق كلمة “فقر” أو طبقة كادحة. هذه كلمات تؤدى إلى السجن. ما بال “نظام طبقى أبوي”. قائم على الاستبداد الذكورى المطلق فى الدولة والأسرة؟.
إنها الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين. والصراع دائر بين الشيوعية والاسلام فى عالم منقسم إلى كتلة شرقية بزعامة الاتحاد السوفيتى. وكتلة غربية رأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. أما المستعمرات فى إفريقيا وآسيا (ومنها مصر تحت الاحتلال البريطاني). فكانت تابعة للقوى الاستعمارية. تم اختزال الاسلام (فى نظر القوى الرأسمالية). إلى أداة لضرب الشيوعية. وتم اختزال الشيوعية (فى المستعمرات بالعالم الثالث) إلى دعوة للإلحاد. وتم ضرب أى حركة شعبية مصرية تدعو للعدالة والتحرر الوطنى حتى جمال عبدالناصر تم اتهامه بالشيوعية بواسطة القوى الخارجية والطبقة العليا فى الداخل. وتم تشجيع الاخوان المسلمين والاسلام السياسى (داخليا وخارجيا). للقضاء على الحركات الوطنية المصرية وجمال عبدالناصر حاولوا اغتياله جسديا وسياسيا. حتى هزيمته فى حرب 1967 – ثم موته بعد ثلاث سنوات. ليأتى الرئيس المؤمن (السادات) الذى شجع جماعات الاسلام
السياسى (مع قوى الاستعمار) بضرب القوى الوطنية للتحرر والاستقلال تحت اسم مكافحة الشيوعية. وجدت نفسى فى سبتمبر 1981 داخل زنزانة السجن بتهمة الشيوعية. رغم أننى لم أدخل فى حياتى أى حزب. وأنفر بطبيعتى من ألاعيب السياسة مثل جدتى الفلاحة التى كانت تلخص السياسة فى كلمة واحدة “بوليتيكا”. تضحك وهى تضرب ابن عمها (شيخ الجامع) على ظهره قائلة “بلاش بوليتيكا يا خويا”. كانت جدتى (وكل القرية). ترى السياسة ألعابا بهلوانية (بوليتيكة) قائمة على الخداع والمكر. وأن الحكومة تقهر الفلاحين لأنها تعمل مع الملك والإنجليز والبشوات والبهوات فى البرلمان. كانت جدتى وأهل قريتها يتمردون ضد العمدة. تلوح فى وجهه بيدها الكبيرة المشققة. وتقول: فين العدل يا عمدة؟. يلوح بالمصحف فى وجهها يتهمها بالجهل لأنها لم تقرأ القرآن ولا تعرف شيئا عن العدل وترد عليه جدتى بعبارتها المأثورة: “ربنا هو العدل عرفوه بالعقل يا عمدة”.
لو دخلت جدتى “لجنة الخمسين”. ربما كانت أكثر وعيا بأهمية النص فى الدستور على العدل والمساواة الحقيقية بين الناس وليس التوازن بين القوى السياسية والأحزاب ومنها “حزب النور” الذى يرى وجه جدتى عورة.
evening dresses dillards
I really like your writing style, wonderful info, appreciate it for posting mytechnwp-includesimagessmiliesicon_biggrin” . “Kennedy cooked the soup that Johnson had to eat.” by Konrad Adenauer.
wedding dresses at womanwithin
I saw a lot of website but I conceive this one has something special in it. “Speak clearly, if you speak at all carve every word before you let it fall.” by Oliver Wendell Holmes.