عزيز باكوش: تخزين الأحلام رغبة مستحيلة
عزيز باكوش
لماذا أنسى أحلامي بسرعة البرق؟ ربما أنا بالضبط دون بقية الخلق؟ كيف صرت كائنا ينسى أحلامه فور اشتعال الصباح؟
ليس جميلا أن ينسى المرء أحلامه اللذيذة ،لاسيما تلك التي توثق طيرانه في السماء بأجنحة مزركشة، وعيناه مفتوحتان مثل نسر جائع والأرض من تحته تميد مثل لوحة بديعة الخلق.
ليس جميلا هذا النسيان. وليس عقلانيا ولا محبوبا حتى.
رغم أن أحلامي قصيرة بسعة البرق تبدو طويلة وعسيرة حين السرد.ليست طويلة كما نراها في المسلسلات، وليست قصيرة كوصلات إشهار الأيفون هذا أمر مؤكد.
أحلامي بالأبيض والأسود مفككة مهزوزة بيد أنها لماحة وسريعة جدا لا تتجاوز سقف الثواني.
جميع أحلامي مني وآمل أن يشتغل الوعي عند استيقاظي على تطويرها حتى يعرضها مثل الفايسبوك ذكرى بعد سنة؟
ذاكرة الأحلام لذيذة لكنها تموت بعد الولادة بقليل. هل أحلامنا للنسيان؟
من أحلامي اللذيذة التي نسيت زمانها ومكانها ولونها وتوقيتها ، كنت جالسا في أحضان والدي قبل 30 سنة على هيئة طفل بذاكرتي الحالية، كما لو لم ولن يموت قبل 10 سنوات.
وفي حلمي الثاني كنت أطير بأجنحة معدنية يسمع صرير خفقانها ، تعبث الرياح بملابسي وتشوه منظر سحنتي فأبدو مثل رسم متحرك يبتسم. ومن ثقبة الحذاء كنت أشاهد الأرض. كانت خضراء مثل بساط مزهري. كان المشهد منفلتا زئبقيا يشبه التحليق في درون يسقط فجأة فوق سويسرا.
في ثالث أحلامي الغريبة ظهرت متحاشيا تحية الملك الذي بدا بجلاله مسالما، في البداية أذكر جيدا أنها حركة محترمة لكن جلالته أبدى امتعاضه وعدم رضاه. لكن سرعان ما نبهه وزير الداخلية مبررا حركتي غير اللائقة كونها احتراما على طريقة الكبار. بيد أني تلقيت في اليوم الموالي توبيخا من مدير الأكاديمية التي نشرته على صفحتها الرسمية. أذكر جيدا أنني علقت حينها متنكرا .و سرعان ما تلقيت وعدا مجهول المصدر بتدمير الحلم بالكامل وفي ثوان معدودة.
هل تدمير الأحلام نية حكومية مقيتة؟ كانت أحلام السباحة في الهواء لثوان ملحمة للانتشاء كانت الحدائق والجبال والأنهار ترحل وكنت أعجز عن كبح جماح رحيلها العجيب ، أما استعادة حضور الأب ” المتوفى ” بصفاته الحقيقية ووجهه الدافئ الغريق الصراخ اللطيف في وجهه عند الحاجة والاكتفاء بالرضى والخضوع. وطلعة الوالدة البهي بروحها كان ذلك الأكثر إشراقا وبهجة في حياتي. لنؤجل فرحنا قبل أن نحكي حلم والدتي التي تروي تفاصيل دقيقة بالألوان. وتبصر أواني مطبخها كما تحصي أبناءها وهي التي فقدت بصرها كليا قبل 30 سنة. ذهبت أحلامي وبدا وكأنها تسابق الريح، و بت أرى أن الحلم يملأ جسدي لكن رغبة تخزينه مستحيلة، ولا أستطيع تملكه. وأخيرا تقبلت أنني عجزت وربما خرفت …
بعض أحلامي لن أنساها ما حييت. بناؤها أبطالها أحداثها ملحمة مترابطة الأجزاء . على الرغم من أنها مريبة ومربكة أحيانا إلا أنها انتصار وانتقام رشيد في حروب غير متكافئة مع الأيام.
فاس الأطلس