انت هنا : الرئيسية » الواجهة » هل بلغت من العمر عتيا؟

هل بلغت من العمر عتيا؟

دليلة حياوي

أن تصلك رسالة إشهارية على الهاتف، لتخبرك حلاقة الحي بأنها بصدد إطلاق علاج “أمازوني” ملوّن للشعر وقد خصت شعرك لا شعر غيرك من الزبونات بتجربة مجانية!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عُتيّاً..
أن تقصدي مخبزة الحي لتوصي بتحضير كعكة الميلاد، واكتشافك العظيم في يومك الأعظم يتمثل في كون ثمن الشموع العديدة يفوق ثمن الكعكة نفسها بكثير!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن ترددي دعاء السفر خلف المقود.. وتنطلقي باتجاه بيتك وتجدي العجلات قد حملتك إلى المطار سهواً لأنك أغفلت مخرج الطريق السيار الذي يفضي إلى بيتك!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تجوبي مراكز العلاج الفيزيائي بالمدينة بدل مراكز التجميل الاعتيادية! وتزدحم المواعيد بمفكرتك مع كتيبة من المعالجين الفيزيائيين (قياصرة الروم الشقر والسُّمر) للتخفيف من صرير عظامك الذي يكون صوته أعلى من صوتك أحيانا!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تحملي أحذية موسم الشتاء الماضي لتستشيري مع أولئك المعالجين الفيزيائيين بشأن أكعابها ويصادروها منك مزمجرين.. ويخرجوك دونها من مراكزهم آمِرين بابتياع أخرى فورا لتجنب لفح البرد الأوروبي المؤذي لأطرافك السفلى!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تجهزي على نصف يوم كامل من عطلتك الأسبوعية بحثا عن أحذية ملائمة لوضعك الصحي بها بعض مما يوحي بأنك لا تزالين أنثى راغبة في الحياة وتنّورات وفساتين الحياة.. ولا تجدين ضالتك وتكتفين بالجوارب الثقيلة مبتهلة للعلي القدير في النوافل والصلوات المفروضة أن يؤجل الصقيع أسبوعا آخر علّك تظفرين ببغيتك!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تخبزي في صباح عطلة الأحد الباكر نوعا من فطائر بلدك استحضارا لعبق الهوية في الغربة وتكسر يداك زجاجة العسل قرب طبق الفطائر ـ المسمّن في حالتي ـ وتنشغلين بالبحث عن النظارة الطبية للملمة شظايا الزجاج المتناثرة ولا تجدين تلك النظارة إلا برفّ من رفوف الثلاجة جنبا إلى جنب مع مفتاح السيارة!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تنزلي في الصبيحة ذاتها إلى سوق الحي الممتاز ـ السوبر ماركت ـ لشراء زجاجة عسل أخرى بدل التي انكسرت منك.. وحين عودتك إلى البيت تفاجئين بأن يديك لا تقويان على فصل نصفي إبريق القهوة الإيطالي عن بعضهما.. لإعداد قهوة الصباح والتلذذ بالعبق المغربي بالبيت الرومي! فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تعودي مرة ثانية للسوق ذاته لتسددي للبائعة نفسها ثمن إبريق قهوة جديد.. وتبتسم في وجهك برقة تغلف مكراً!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تبحثي عن قنينة خل التفاح لتعقيم الإبريق الجديد قبل استعماله أول مرة.. بين رفوف خزانات البيت بما في ذلك منضدتي السرير وأدراج الملابس الداخلية وليس فقط المطبخ.. وبعد أن يعييك البحث تتذكري أنك حملت قنينة الخل إلى العمل للغرْف منها مع الماء بغية إذابة الدهون حول البطن!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تصطفّي حاملة قنينة الخل في طابور الأداء بالسوق ذاته.. وتقابلك لثالث مرة في الساعة ذاتها.. البائعة ذاتها بابتسامة الرقة ذاتها.. لكن مشوبة بالشفقة هذه المرة! فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تغلي خل التفاح في الإبريق.. ويتصاعد المحتوى منه في رمشة عين وينسكب على طبق الفطائر التي أعددت للفطور.. لتصير “شهيوة الأحد”:  “المسمن بالعسل وخل التفاح”!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تكلمي والدك لتسردي عليه ما حدث.. فيوصيك قائلا: “خذي مركب الفيتامين باء”.. وتقولي له: “أتقصد حبك بابا؟”.. فيجيب: “اذهبي إلى الحج”!.. فاعلمي أنك بلغت من العمر عتيا..
أن تهاتفي جدتك بالضفة الأخرى شاكية ما يحدث لك.. فتؤلمك مواساتها التي استعملت فيها عبارة “حبيبتي” بدل “صغيرتي” الاعتيادية.. وأكثرت فيها بسبب وبدون سبب من تمجيد ما يدخر لك المولى جل وعلا بالآخرة من نِعَمٍ.. فاعلمي عزيزتي حواء أنني وأنت نكايةً في كل ما ذكر نرفض أن نبلغ من العمر عتيا..
لهم ظنهم! ولنا يقين!

عن الكاتب

عدد المقالات : 1687

اكتب تعليق

الصعود لأعلى