من رابعة العدوية إلى رابعة الحكومة المغربية
علي زبير < باحث في الهجرة ـ ألمانيا ـ آخن
قبل الخوض في التعقيب أو التعليق على الأحداث السياسية المغربية خلال الآونة الأخيرة والتي قد أثارت جدلا وأحداثا ومجريات جعلت الكثير من المثقفين والمفكرين يتناولونها من كل الإتجاهات والتيارات. أود، في البدئ، أن أجيب عن التساؤل الذي يطرحه القارء الكريم عن أوجه التشابه بين رابعة العدوية ورابعة الحكومة المغربية.
فمصدر التلاقي في هذا الشأن يتجاوز الرمز والإشارات إلى ماهو أعمق وأشمل أي إلى ماهو مشترك بين أهل ميدان رابعة العدوية من كل الإحتجاجات والإتجاهات في الوصول إلى الشرعية كما طالبوا بها وإخراج البلد من الأزمة العميقة وما آلت إليه أمورهم حتى الآن، بالمقابل يدخل المغرب السنة الثانية في سياق الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية منذ إعلان دستور يوليوز 2011 ثم إعتماده، وكذا فضلا عن إطلاق مشروع الجهوية المتقدمة.
فعلى ضوء ما أثمرته موجة الإحتجاجات والإصلاحات من متغيرات بالنسبة للمغرب أصبحت هناك قناعة فعلية شكلت تحول جديد في تاريخ العملية الإنتخابية للبلد نتج عنها فوز الإسلاميون بالسلطة وتشكيل حكومة السيد بنكيران إلى غاية إستقالة حزب الميزان وإعلانه عن سحب وزرائه من الحكومة ثم بروز ظاهرة إخراج الحمير بالمشهد السياسي للبلد ودخولها التاريخ السياسي المغربي المعاصر، مما عمق أزمة إنتظار تشكيل الحكومة المغربية الثانية.
فالمتتبع للاحداث المصرية الأخيرة يلاحظ ظهور رمز جديد أصبح المتظاهرون يرفعون أربعة أصابع في الهواء إشارة إلى مسجد رابعة العدوية أي إقتران رابعة بالعدد أربعة. ففي العمق إشارة رابعة كانت إشارة للنصر عفوية ثم لقت رواجا مكثفا على وسائل الإعلام والفيسبوك والتوتر، لأنها عكست شعبية قوية وأصيلة ثم تحولت إلى إشارة لخدمة إتجاه معين وغرض محدد. فالبعض يرى أنها حملة مدبرة ومفبركة بدهاء تركي لأجل مفهوم واقعي تتداخل فيه مصالح أردوغان بالإخوان المسلمين، والرأي الأخر والأقرب إلى الصواب في نظري؛ إستخدام شارة رابعة تعني أنها تخص قضايا المصريين وحدهم، وأنها فلسفة تنصب في عملية توعية والبحث عن الدعم السياسي الغربي، وهي كذلك أجندة مصرية مستقلة بذاتها بعيدة كل البعد عن الرمز الدولي التقليدي للنصر المتمثل في إشارة (∨).
أما الشأن المغربي، بشكل عام يُعد إختيار حزب العدالة والتنمية خلال الإستحقاقات الأخيرة لقيادة المرحلة أمراْ لآمناص منه وواقعا لآيمكن تغييره، وهذا الواقع يطرح تساؤلات هامة بشأن ما إذا كانت الأحزاب المغربية، وخاصة ذاة الثقل منها، قادرة على التعامل مع هذا الواقع والتكييف معه والإستفادة منه؟. في حين وكما تبين وبمجرد أن أصبح رئيسا للحكومة برهن السيد بنكيران أنه غير قيادي وديمقراطي، فرغم تعهداته خلال البرنامج الإنتخابي وبعدها الحكومي لم يتم الوفاء بها، فتخلى عن كل الوعود التي من خلالها منحته شريحة كبيرة من الشعب المغربي أصواتها، ولاسيما انه ركز في حملته على تخليق الحياة السياسية والمجتمع وهو خيار جديد يمكن إعتباره تغييرا في المشهد السياسي المغربي، لكن وللأسف الشديد أصبح هذا التخليق يطرح مجموعة من التساؤلات؟؟.
حتى وإن كانت مهمة صعبة، كان ولابد من حكومة السيد بنكيران التي إستمدت شرعيتها من صناديق الإقتراع أن تستجيب للمطالب الإجتماعية والسياسية التي يرفعها المواطنون، لكن الغريب في الأمر أن الراجح في هذه المسألة واجهت الحكومة هجوما من نوع أخر حيث المصالح فيها غلبت على الإستراجي، كان مصدرها المعارضة وأصبح بطلها حزب الإستقلال الذي تسبب في إحداث هزة قوية في المشهد السياسي المغربي الراهن مخلفا من وراءه زوبعة وعاصفة من المتناقضات ما بين أحزاب مؤيدة، وأحزاب معارضة، وأحزاب متحفظة وأخرى رافضة ومتوعدة، مما ساق البلد إلى عناد تحدي بكراسي السلطة الأشخاص هم المستفيدين منه ومن ثم الإبتعاد عن العمل الجاد المتواصل الذي يخدم الوطن والمواطنين.
فالبنسبة للحكومة المغربية الأولى تشكلت بأربعة أحزاب لكن بإشارة ناقصة أي حكومة أربعة أحزاب بثلاثة أمناء عامون فكان من اللازم أن تكتمل الإشارة حتى تعكس عدد الأحزاب المشاركة في الحكومة. عندما أثبت شباط أن عباس الفاسي قائد بائس تخلى هذا الأخير عن الأمانة العامة للحزب فأُ خدت منه، بعدها إشتكى شباط من بنكيران أنه خان المثل العليا للعبة السياسية على الرغم أن حزب الإستقلال يعتبر رمزا عتيقا في حكومات سابقة، وكان مدعوما دائما بقاعدة عريضة شعبية. وبدلا من الإستمارة في الحكومة بأربعة أحزاب وثلاثة أمناء عامون إختار حزب الميزان الإنسحاب والرجوع إلى صفوف المعارضة، خلالها إتضحت الأمور فصار من المطلوب أن تكتمل الإشارة في الأعداد بالامناء، أي أربعة أحزاب في حكومة ممثلة بأربعة أمناء عامون لديها.
فالجميع يعرفون بعضهم البعض ويعرفون أن القيم الأخلاقية والفكرية تتجه في تغيير وجهتها، وأن الطابع الذي يجب أن يتمسك به كل واحد منهم هو مصلحة الوطن والإندماج في خدمة البلد والصالح العام. وبغض النظر عن إختلاف تطور الوضع السياسي وتفاقم الأزمة الحكومية؛ والتي تشكلت لامحال بأربعة أمناء من داخل رابعة الأحزاب المكونة للحكومة الثانية، حيث إشارة رابعة الأحزاب تقترن بالعدد أربعة وتكتمل، فإن المواطنين المغاربة يأملون أن يتم الأمر في إطار إحترام الدستور والقيم الوطنية ويستوجبون أن تتحمل الحكومة المقبلة مسؤولياتها كاملة في خدمة البلد وأداء الدور الذي يفرضه عليها وضعها القانوني بممارسة كاملة للسلطة التنفيدية.
فإذا كان من مصلحة أي جهة الهجوم على جهة أخرى والتشويش عليها وإذكاء نيران الحرب على الأفراد القائمين بها، فإن من مصلحة الحكومة الحالية إنجاز التغيير المنشود في مخططاتها وبرامجها وفقا لمقتضات الدستور الجديد، لأن المرحلة الديمقراطية الإنتقالية بالتأكيد مرحلة صعبة وسابقة لأوانها، لكن مسار الإصلاحات فيها يمر في جو سليم تحت قيادة مولوية رشيدة ومحكمة للعاهل المغربي أدهشت المجتمع الدولي، والدليل على ذلك أنه لم يتم تسجيل أي طعن في نتائج إنتخابات 25 نونبر 2011 والتي قادت حزب المصباح إلى السلطة في البلد من أول تجربة إختبارية ديمقراطية بعدها مرحلة الأزمة الحكومية التي لم تشكل أي تهديد أو خطر على الطابع العام للوطن إلى حين تشكيلها مجددا.
فالكل فيها يتحمل مسؤوليته وأخطائه، وبالطبع الحلول فيها واضحة وبسيطة كتقديم بعض التنازلات ثم التشاور والتوافق والتعاون بين جميع الجهات المعنية، وأخُص بالذكر الصامة منها والتي تزن الأمور بميزان الحكمة والعقل وتنظر إلى الأمام، وتعي ما تريد وماتقول وماهي إمكانياتها؛ لا الشعبوية المُعافرة الهائجة العاملة على إقصاء كل من يختلف معها بحجة ما أو بأساس خدمة وسيلة ما وتحقيق مصلحة ما أودرء مفاسد ما.
فالذي يرفع راية العداء لكل تغيير يخدم البلد ويحدث بشكل أو بأخر طرق لاتنصب في مصلحة الوطن، عليه أن يعيد النظر في سياسته بمقاربة إستشرافية يكون هدفها العمل الجاد والبناء الموحد، لأن الشعب المغربي مهما تداخلت الظروف والعوامل لفرقته، فوحدته راسخة كالجبال ومكتوب فوقها الله الوطن الملك .